الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أحكام الجهاد وفضائله
.مقدمة: وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. قَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ، الصَّدْرُ الْكَامِلُ، جَامِعُ أَشْتَاتِ الْفَضَائِلِ،، قَامْعُ الْبِدْعَةِ، نَاصْرُ الْحَقِّ، عِزُّ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ السُّلَمِيُّ الشَّافِعِيُّ، أَدَامَ اللهَ سَعَادَتَهُ، وَمَتَّعَنَا بِطُولِ حَيَاتِهِ: أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللهِ الَّذِي جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، وَعَلَتْ كَلِمَتُهُ، وَعَمَّتْ رَحْمَتُهُ، وَسَبَغَتْ نِعْمَتُهُ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللهِ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مَحْقِ أَعْدَاءِ اللهِ وَتَطْهِيرِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ، وَاسْتِنْقَاذِ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَصَوْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ وَحُرَمِهِمْ وَأَطْفَالِهِمْ، وَارْتِفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بِمَا مَنَحَهُ اللهُ مِنْ أَرَاضِي الْكُفَّارِ وَأَمْوَالِهِمْ وَإِرْقَاقِ حُرَمِهِمْ وَأَطْفَالِهِمْ. وَلِذَلِكَ عَظَّمَ اللهَ فِيهِ أَجْرَ الطَّالِبِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَطْلُوبِ، وَالْغَالِبِ وَالْمَغْلُوبِ، وَالْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ، وَأَحْيَا الْقَتْلَى فِيهِ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وَعَوَّضَهُمْ عَنْ حَيَاتِهِمُ الَّتِي بَذَلُوهَا لِأَجْلِهِ بِحَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ سَرْمَدِيَّةٍ لَا يَصِفُهَا الْوَاصِفُونَ وَلَا يَعْرِفُهُا الْعَارِفُونَ. وَكَذَلِكَ لَمَّا فَارَقُوا الْأَهْلَ وَالْأَوْطَانَ أَسْكَنَهُمْ فِي جِوَارِهِ، وَآنَسَهُمْ بِقُرْبِهِ بَدَلًا مِنْ أُنْسِ مَنْ فَارَقُوهُ مِنْ أَحِبَّائِهِمْ لِأَجْلِهِ! فَطُوبَى لِمَنْ حَصَلَ عَلَى هَذَا الْأَجْرِ الْجَزِيلِ فِي جِوَارِ الرَّبِّ الْجَلِيلِ. وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ لِمَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَكَلِمَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى. .فَصْلٌ فِي فَرْضِ الْجِهَادِ بِالْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ: وَقَالَ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]. وَقَالَ: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ». [أَحْمَد، أبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ]، أَيْ أَغْلِِظُوا لَهُمُ الْكَلَامَ. يَشْرُفُ الْبَذْلُ بِشَرَفِ الْمَبْذُولِ، وَأَفْضَلُ مَا بَذَلَهُ الْإِنْسَانُ نَفْسُهُ وَمَالُهُ. وَلَمَّا كَانَتِ الْأَنفُسُ وَالْأَمْوَالُ مَبْذُولَةً فِي الْجِهَادِ جَعَلَ اللهُ مَنْ بَذَلَ نَفْسَهُ فِي أَعْلَى رُتَبِ الطَّائِعِينَ وَأَشْرَفِهَا؛ لِشَرَفِ مَا بَذَلَهُ مَعَ مَحْوِ الْكُفْرِ وَمَحْقِ أَهْلِهِ، وَإِعْزَازِ الدِّينِ وَصَوْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. .فَصْلٌ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى الْجِهَادِ: وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65]. مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَحَثَّ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ بَاشَرَ الْجِهَادَ بِنَفْسِهِ وَتَسَبَّبَ إِلَى تَحْصِيلِهِ بِحَثِّهِ، فَحَازَ أَشْرَفَ التَّسَبُّبِ وَالْمُبَاشَرَةِ، وَكَانَ حَثُّهُ عَلَى ذَلِكَ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي هُوَ تِلْوَ الْإِيمَانِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا لمَِنْ تَسَبَّبَ بِقَوْلِهِ، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ تَسَبَّبِ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فَجَنَّدَ الْأَجْنَادَ وَبَاشَرَ الْجِهَادَ؟. .فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ: وَقَالَ تَعَالَى: {وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 95- 96]. وَرَوَى أبُو سَعِيدٍ عَن رَّسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَّسُولًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ». فَعَجِبَ لَهَا أبُو سَعِيدٍ فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَعَادَهَا ِعَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «وَأُخْرَى يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا الْعَبْدَ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ». قَالَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». [مُسْلِم]. وَقَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ ماِئَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالِأَرْضِ». [البخاريُّ]. وَقَالَ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّه ِتَعَالَى». [مُتَّفَق ِعَلَيْه]. وَسُئِلَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إِيمَانٌ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». [مُتَّفَقٌ ِعَلَيْهِ]. إِنَّمَا فَضَّلَ اللَّهُ الْجِهَادَ وَجَعَلَهُ تِلْوَ الْإِيمَانِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَصَالِحِهِ الْعَاجِلَةِ وَمَنَافِعِهِ الْآجِلَةِ. .فَضْلُ الْخُرُوجِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: وَحَكَى عَنْ رَّبِّهِ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ضَمِنْتُ لَهُ إِنْ رَجَعْتُهُ أُرْجِعُهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، وَإِنْ قَبَضْتُهُ غَفَرْتُ لَهُ وَرَحِمْتُهُ». [أَحْمَد النَّسَائِي وَالتِّرْمَذِيُّ]. إِنَّمَا ضَمِنَ اللَّهُ الرَّجْعَةَ وَالرِّضْوَانَ وَالْغُفْرَانَ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ وَنُصْرَةً لِدِينِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْأََعْمَالِ إلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ. .فَضْلُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ: وَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ رَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ اللَّهَ». [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. إِنَّمَا شَرُفَتِ النَّفَقَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ إِلَى أَفْضَلِ الْأََعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَإِذَا كَانَتْ حَسَنَةُ الوَسِيلَةِ بِسَبْعِ مِائَةٍ فَمَا الظَّنُّ بِحَسَنَةِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ .فَصْلٌ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِاللهِ اسْتِنْصَارًا لَهُ: وَرُوِيَ عَن رَّسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي». [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. .فَصْلٌ فِي مَنْ رَأَى عَدُوًّا فَخَافَهُ: .فَصْلٌ فِي ذِكْرِ اللهِ فِي الْقِتَالِ: .فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمُجَاهِدِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ: .فِي الْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ اللهِ: .فِي الْبَيْعَةِ الْمُوجِبَةِ لِرَضَا اللهِ: اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْبَيْعَةِ: فَقِيلَ: بَايَعُوهُ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَفِرُّونَ. وَقِيلَ: بَايَعُوهُ عَلَى الْمَوْتِ. .فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْغُبَارِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: وَقَالَ: «مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ». [الْبُخَارِيُّ]. إَذَا كَانَتْ مَشَقَّة ُالْغُبَارِ عَاصِمَةً مِنْ عَذَابِ النَّارِ، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ بَذَلَ مَالَهُ وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ؟ .فَضْلُ الْحِرَاسَةِ فِي سَبِيلِِ اللَّهِ: الْحِرَاسَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ضَرْبٌ مِنَ الْجِهَادِ، ثَوَابُهَا عَلَى قَدْرِ نَفْعِهَا وَجَدْوَاهَا وَطُولِهَا وَقَصْرِهَا، وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْحِرَاسَةِ مِنْ نَفْعِ الْمُسْلِمِينَ. .فَضْلُ الرَّمْيِ فِي سَبِيلِ اللهِ: وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ». [مُسْلِمٌ]. وَقَالَ: «مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّه ِتَعَالَى بَلَغَ الْعَدُوَّ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ». [النَّسَائِي التِّرْمَذِيُّ وَابْنُ مَاجَه]. وَإِنّمَا شَرُفَ الرَّمْيُ لِعُمُومِ مَنْفَعِتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَاتِلُ بِهِ الْقَاصِي وَالدَّانِي، وَمِنَ الْقِلَاعِ وَالْحُصُونِ، وَمِنَ الْأَوْدِيَةِ وَالْوِهَادِ مَعَ غَلَبَةِ سَلَامَةِ الرُّمَاةِ، وَلَا يَتَأَتَّى مِثْْلُ ذَلِكَ فِي السَّيْفِ وَالسِّنَانِ، وَلِذَلِكَ حَثَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى تَعَلُّمِ الرَّمْيِ. .فَضْلُ السَّهَرِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: مَنْ سَهَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ تَرَكَ غَرَضَهُ مِنَ النَّوْمِ طَاعَةً لِلَّهِ بِمَا يَتَجَشَّمُهُ مِنْ خَوْفِ الْعَدُوِّ، وَلِذَلِكَ حُرِّمَتْ عَيْنُهُ عَلَى النَّارِ. .فَضْل قَتْلِ الْكَافِرِ فِي سَبِيلِ اللهِ: إِنّمَا لَمْ يَجْمَعِ اللهُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَقَاتِلِهِ فِي النَّارِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَحَا كُفْرَهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُ مُغَرَّرًا أَوْ غَيْرَ مُغَرَّرٍ، فَلَوْ رَمَاهُ مِنْ بُعْدٍ مَعَ أَمْنِهِ مِنْهُ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ فِي النَّارِ، إلَّا أَنَّ أَجْرَ الْمُغَرَّرِ أَتَمُّ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ. .فَضْلُ الصَّوْم فِي سَبِيلِ اللَّهِ: إِنّمَا يُشْرَعُ الصَّوْمُ فِي الْجِهَادِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُؤَثِّرُ الصَّوْمُ فِي قُوَاهُ، وَلَا يُضَعِّفُهُ عَنْ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ. .فَضْلُ مَشَاقِّ الْغَزْوِ: جَعَلَ اللَّهُ الْأَجْرَ عَلَى هَذِهِ الْمَشَاقِّ الَّتِي تَلْحَقُ الْمُجَاهِدَ فِي طَرِيقِهِ لِأَنَّ الثَّوَابَ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: بِعَيْنِي مَا يَتَحَمَّلُ الْمُتَحَمِّلُونَ مِنْ أَجْلِي. .فِي وَصِيَّةِ الْإمَامِ الْغُزَاةَ: وَصِيَّةُ الْغُزَاةِ نُصْحٌ لَّهُمْ، وَهِيَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ. .فَضْلُ تَجْهِيزِ الْغُزَاةِ: تَجْهِيزُ الْغُزَاةِ وَخِلَافَتُهُمْ فِي أَهْلِهِمْ مُنْدَرِجٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [الْمَائِدَة: 2]. وَالْجِهَادُ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ، وَالْمَعُونَةُ عَلَيْهِ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعُونَةِ. .فَضْلُ الْإِخْلَاصِ فِي الْجِهَادِ: الْفَضَائِلُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْجِهَادِ خَاصَّةً فِي مَنْ جَاهَدَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْأََعْمَالِ إلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ. .فَضْلُ الْخُرُوجِ يَوْمَ الْخَمِيسِ: يَنْبَغِي لِلْمُجَاهِدِ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ فِي أَسْفَارِهِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ أَنَّ فُلَانًا خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ. .فِي خُرُوجِ الْإِمَامِ فِي السَّرَايَا: هَذَا مِنْ رِفْقِ رَسُولِ اللهِ بِأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ؛ تَرَكَ الْخُرُوجَ فِي جَمِيعِ السَّرَايَا لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَى الضَّعَفَاءِ، وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ لَا يَجِدُ مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ وَلَوْ وَجَدَ لَفَعَلَ. فَيَنْبَغِي لِمَنْ تَوَلَّى أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُّعَامِلَهُمْ بِمِثْلِ مَا عَامَلَهُمْ بِهِ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ. .فَضْلُ الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالرِّبَاطِ: إِذَا كَانَتِ الْغَدْوَةُ وَالرَّوْحَةُ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ، وَالسَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ؟ .فَضْلُ الْجِرَاحِ فِي سَبِيلِ اللهِ: إِنَّمَا يَجِيءُ الْجُرْحُ كَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَفْضِيلًا لَهُ عَلَى أَهْلِ الْمَوْقِفِ، وَنِدَاءً عَلَيْهِ بِأَنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ حَتَّى جُرِحَ فِي سَبِيلِ اللهِ. .فَضْلُ الْغَالِبِ فِي سَبِيلِ اللهِ: عَظَّمَ اللهُ أَجْرَ الْغَالِبِ فِي سَبِيلِ اللهِ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ اللهِ بِقَتْلِ أَعْدَاءِ اللهِ وَدَفْعِ شَرِّهِمْ عَنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ. .فَضْلُ الْمَقْتُولِ فِي سَبِيلِ اللهِ: قَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ». [مُسْلِمٌ]. لَمَّا بَذَلَ الشُّهَدَاءُ أَنْفُسَهُمْ لِأَجْلِ اللهِ أَبْدَلَهُمُ اللهُ حَيَاةً خَيْرًا مِنْ حَيَاتِهِمُ الَّتِي بَذَلُوهَا، وَجَعَلَهُمْ جِيرَانَهُ يَبِيتُونَ تَحْتَ عَرْشِهِ، وَيَسْرَحُونَ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوا لَمَّا انْقَطَعَتْ آثارُهُمْ مِنَ السُّرُوحِ فِي الدُّنْيَا. .فَصْلٌ فِي رِفْقِ الْإِمَامِ بِالْغُزَاة: عَلَى مَنْ تَوَلَّى أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ فِي جِهَادٍ أَوْ غَيْرِهِ أَلَّا يُكَلِّفَهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَلَا مَا تَشُدُّ مَشَقَّتُهُ عَلَيْهِمْ، فَلَا يُغْزِي قَوْمًا وَيُرِيحُ آخَرِينَ، بَلْ يُنَاوِبُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ فَيُغْزِي بَعْضَهُمْ وَيُرِيحُ بَعْضَهُمْ ثُمَّ يُغْزِي الْمُسْتَرِيحِينَ وَيُرِيحُ الْغَازِينَ، إِلَّا أَنْ يَحْضُرَ مُهِمٌّ فَيَجْمَعُ لَهُ جَمِيعَ الْغُزَاةِ. .فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ عَلَى الْكُفَّارِ: ذِكْرُ كِبْرِيَاءِ اللهِ حَاثٌّ عَلَى تَعْظِيمِهِ، وَعَلَى قَتْلِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ نَسَبُوهُ إِلَى مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ مِنَ الشَّرِيكِ وَالصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ كَمَا زَعَمَ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. .فِي وَقْتِ الْقِتَالِ: الْقِتَالُ أَوَّلَ النَّهَارِ أفَضْلُ؛ لِبَرْدِهِ، وَاسْتِجْمَامِ الْقُوَى َفِيهِ، وَاتِّسَاعِ النَّهَارِ لِإِكْمَالِ أَغْرَاضِ الْقِتَالِ. فَإِنْ فَاتَ فَبَعْدَ الزَّوَالِ حِينَ تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَتَّسِعُ الْوَقْتُ. .فَصْلٌ فِي الْبِدَايَةِ بِالرَّمْيِ: لَا تُسَلُّ السُّيُوفُ مَعَ بُعْدِ الْكُفَّارِ؛ إِْذ لَا فَائِدَةَ فِي سَلِّهَا، بَلْ يُرْمَوْنَ بِالنَّبْلِ إِلَى أَنْ يَتَدَانَى الْفَرِيقَانِ فَحِينَئِذٍ تُسَلُّ السُّيُوفُ. .فِي عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْكُفَّارِ: وَقَالَ: {وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ} [آل عمران: 20]. وَكَتَبَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ: «أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ». [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. عَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْكُفَّارِ إِحْسَانٌ إِلَيْهِمْ بِالتَّوَسُّلِ إِلَى نَقْلِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَمِنَ أَسْبَابِ السَّخَطِ إِلَى أَسْبَابِ الرِّضْوَانِ. .فَصْلٌ فِي تَخْوِيفِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَإِرْهَابُهُمْ: هَذَا دَأَبُ الْأَنْبِيَاءِ وَفِعْلُ الْعُقَلَاءِ؛ أَخَذَهُمْ أَوَّلًا بِالتَّلَطُّفِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا غَالَطُوهُ وَخَدَعُوهُ بِإِرْسَالِ الْهَدِيَّةِ أَغْلَظَ لَهُمُ الْقَوْلَ فَقَالَ: {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 37]. .فِي الِاسْتِعْدَادِ لِقِتَالِهِمْ بِمَا يُرْهِبُهُمِ: وَقَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ». [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]. إِذَا عَلِمَ عَدُوُّكَ أَنَّكَ مُتَيَقِّظٌ لَهُ، مُسْتَعِدٌّ لِقِتَالِهِ خَافَكَ وَانْقَطَعَتْ أَطْمَاعُهُ مِنْكَ. .فَصْلٌ فِي النَّفِيرِ وَبَذْلِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ: وَقَالَ: {إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا} [التوبة: 39]. أَوْلَى مَا بُذِلَتْ فِيهِ الْأَنْفُسُ وَالْأَمْوَالُ: طَاعَةُ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَمِنْ أَفْضَلِ طَاعَاتِهِ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فَضَائِلِهِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ. .فَصْلٌ فِي التَّشْدِيدِ عَلَيْهِمْ وَالْغِلْظَةِ: وَقَالَ: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: 73]. وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة: 123]. يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّشْدِيدُ وَالْغِلْظَةُ عَلَى الْكَفَرَةِ أَبْلَغَ مِنَ الْغِلْظَةِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْعُصَاةِ؛ لِأَنَّ الْغِلْظَةَ عَلَى قَدْرِ الذُّنُوبِ، وَأَعْظَمُ الذُّنُوبِ ذُنُوبُ الْكُفَّارِ. .فَصْلٌ فِي الْمُشَاوَرَةِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ فِي الْقِتَالِ: مَا عُلِمَ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ فَلَا مُشَاوَرَةَ فِي فِعْلِهِ، وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ فَلَا مُشَاوَرَةَ فِي تَرْكِهِ، وَمَا الْتَبَسَ أَمْرُهُ فَفِيهِ الْمُشَاوَرَةُ؛ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَجْمَعِ الصَّوَابَ كُلَّهُ لِوَاحِدٍ، وَلِذَلِكَ شُرِعَتِ الْمُشَاوَرَةُ؛ فَإِنَّ الصَّوَابَ قَدْ يَظْهَرُ لِقَوْمٍ وَقَدْ يَغِيبُ عَنْ آخَرِينَ. وَقَدْ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ: أَيْنَ الْعِلْمُ كُلُّهُ؟ فَقَالَ: فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ، يَعْنِي: أَنَّ اللهَ فَرَّقَهُ فِي عِبَادِهِ وَلَمْ يَجْمَعْهُ فِي وَاحِدٍ. مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَطْيِيبِ النُّفُوسِ وَتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ، وَقَدْ قَالَ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159]. فَيَنْبَغِي لِمَنْ تَوَلَّى أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ فِي ذَلِكَ، فَيُشَاوِرُ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ مَنْ كَانَ عَارِفًا بِذَلِكَ التَّصَرُّفِ، وَلَا يُشَاوِرُ فِي كُلِّ فَنٍّ إِلَّا أَرْبَابَهُ، مُقَدِّمًا لِأَفَاضِلِهِمْ وَأَمَاثِلِهِمْ عَلَى مَنْ دُونَهُمْ. .فَصْلٌ فِي الْقِتَالِ لِإِنْقَاذِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ: إِنْقَاذُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِذَا أَسَرُوا مُسْلِمًا وَاحِدًا وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نُوَاظِبَ عَلَى قِتَالِهِمْ حَتَّى نُخَلِّصَهُ أَوْ نُبِيدَهُمْ، فَمَا الظَّنُّ إِذَا أَسَرُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ .فَصْلٌ فِي الثُّبُوتِ فِي الْقِتَالِ: وَقَالَ: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف: 4]. الثُّبُوتُ فِي الْقِتَالِ سَبَبٌ لِلنَّصْرِ وَالظَّفْرِ، مُضْعِفٌ لِقُلُوبِ الْكُفَّارِ قَاطِعٌ لِرَجَائِهِمْ. .فَصْلٌ فِي بَذْلِ الْجُهْدِ فِي النِّكَايَةِ بِهِمْ: .فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ: وَقَالَ: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4]. عَلَّمَ اللهُ عِبَادَهُ كَيْفَ يُقَاتِلُونَ أَعْدَاءَهُ، فَأَمَرَهُمْ بِضَرْبِ الْأَعْنَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِغَائِلِتِهِمْ، وَبِقَطْعِ كُلِّ بَنَانٍ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ لَّهُمْ مِنَ الْقِتَالِ. .فَصْلٌ فِي قَطْعِ أَشْجَارِهِمْ وَتَخْرِيبِ دِيَارِهِمْ: وَقَالَ: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر: 2]. وَقَطَعَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ. .فَصْلٌ فِي التَّجَلُّدِ عَلَى مَا يُصِيبُنَا فِي الْحَرْبِ: وَقَالَ: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا} [آل عمران: 139]. التَّجَلُّدُ عَلَى مَا يُصِيبُنَا فِي طَاعَةِ اللهِ وَجِهَادِ أَعْدَاءِ اللهِ صَلَابَةٌ فِي دِينِنَا، وَمُوهِنٌ لِقُلُوبِ أَعْدَائِنَا. .فَصْلٌ فِي الْجِدِّ فِي طَلَبِهِمْ: وَقَالَ: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]. .فَصْلٌ فِي اجْتِنَابِ التَّنَازُعِ فِي الْقِتَالِ: .فَصْلٌ فِي الدُّعَاءِ بِالْمُعُونَةِ وَالنَّصْرِ وَالصَّبْرِ: الدُّعَاءُ بِالْمُعُونَةِ وَالنَّصْرِ تَفْوِيضٌ إِلَى اللهِ، وَعَمَلٌ بِقَوْلِهِ: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} [آل عمران: 159]. .فَصْلٌ فِي الْمُصَابَرَةِ وَالرِّبَاطِ: وَقَالَ تَعَالَى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة: 177]. .فَصْلٌ فِي أَنَّا لَا نَطْلُبُ الصُّلْحَ: .فَصْلٌ فِي إِجَابَتِهِمْ إِلَى صُلْحٍ َفِيهِ حَظُّ الْإِسْلَامِ: .فَصْلٌ فِي نَبْذِ عَهْدِهِمْ إِذَا خِيفَ غَدْرُهُمْ: .فَصْلٌ فِي الْمُبَالَغَةِ فِي نِكَايَةِ النَّاقِضِينَ: .فِي فِعْلِ الْأَصْلَحِ مِنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَتَأْخِيرِ الْأَسْرِ إِلَى مَا بَعْدَ الْإِثْخَانِ: الْعَزْمُ التَّامُّ: تَأْخِيرُ الْأَسْرِ إِلَى الْإِثْخَانِ. وَأَمَّا شَدُّ الْوِثَاقِ: فَإِرْشَادٌ إِلَى الِاحْتِيَاطِ فِي كُلِّ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْتَاطَ لَهُ. وَأَمَّا ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ وَكُلَّ بَنَانٍ: فَإِنَّ ضَرْبَ الْأَعْنَاقِ يُبِيدُهُمْ، وَقَطْعَ كُلِّ بَنَانٍ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْقِتَالِ، بِخِلَافِ إِيقَاعِ الضَّرْبِ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْمَحَلَّيْنِ؛ فَإِنَّ التَّوْسِيطَ عَزِيزٌ قَلِيلٌ، وَلَا يَتَأَتَّى ضَرْبُ الْأَوْسَاطِ كَمَا يَتَأَتَّى ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ. وَأَمَّا الثُّبُوتُ فِي الْقِتَالِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي قِتَالِهِمْ بِالْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ: فَفِيهِ مُبَالَغَةٌ فِي زَجْرِهِمْ عَنِ الْكُفْرِ، مَعَ مَا َفِيهِ مِنْ إِعْزَازِ الدِّينِ، وَنُصْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَشِفَاءِ صُدُورِهِمْ مِنَ الْكَافِرِينَ. وَأَمَّا قَطْعُ الْأَشْجَارِ وَتَخْرِيبُ الدِّيَارِ: فَخِزْيٌ لَّهُمْ وَإِضْعَافٌ لِقُلُوبِهِمْ؛ فَإِنَّ الْمَصَائِبَ تُضْعِفُ الْقُلُوبَ وَتَكْسِرُ النُّفُوسَ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} [الَحَشْرُ: 5]. وَأَمَّا الجِدُّ فِي طَلَبِهِمْ: فَفِيهِ إِيهَامُهُمْ قُوَّةً لِلْمُسْلِمِينَ وَكَسْرٌ لِشَوْكَتِهِمْ. وَأَمَّا اجْتِنَابُ التَّنَازُعِ: فَإِنَّ الرَّأْيَ إِذَا اتَّفَقَ عَلَى كَيْدِهِمْ وَقِتَالِهِمْ حَصَلَ الْغَرْضُ، وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ جَرَى الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِالْمَعُونَةِ وَالنَّصْرِ وَالصَّبْرِ: فَفِيهِ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إِلَى مَنْ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ؛ {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هُودٌ: 123]. {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطَّلَاقُ: 3] أَيْ: كَاَفِيهِ. وَأَمَّا الدُّعَاءُ إِلَى الصُّلْحِ: فَضَيْمٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَذُلٌّ وَوَهْنٌ، فَلَا يَجُوزُ إِلَّا فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ وَدَفْعِ أََمْرٍ لَا يُطِيقُهُ الْمُسْلِمُونَ كَمَا عَزَمَ صَلَّى اللَّه ُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَالِحَ عَامَ الْخَنْدَقِ عَلَى ثُلُثِ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ؛ وَمَنِ ابْتُلِيَ بِكَلْبٍ عَقُورٍ فَشَغَلَهُ عَنْ شَرِّهِ وَأَذِيَّتِهِ بِرَغِيفِ خُبْزٍ فَلَا ضَيْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا نَبْذُ الْعَهْدِ إِلَى مَنْ خِيفَ خِيَانَتُهُ: فَلِلْمُسَاوَاةِ فِي الْخَوْفِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، كَيْلَا نَخَافَ وَيَأْمَنُوا. وَأَمَّا التَّشْرِيدُ بِسَبَبِ النَّقْصِ: فَمَعْنَاهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ مِنَ الْأَسْرِ وَالْحَصْرِ وَالْإِرْقَاقِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَسَبْيِ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ، مَا يُخَوِّفُ غَيْرَهُمْ أَنْ يُصِيبَهُمْ مِثْْلُ مَا أَصَابَهُمْ فَيَشْرُدُوا مِنَ الْبِلَادِ خَوْفًا مِنْ مِثْْلِ ذَلِكَ، أَيْ: يَهْرُبُوا مِنْها. .خاتمة: فَرَغَ مِنْ تَعْلِيقِهِ الْفَقِيرُ إِلَى رَحْمَةِ رَبِّهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عِيسَى بْنِ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُرَادِيُّ الْأَنْدُلُسِيُّ، دَاعِيًا لِمُصَنِّفِهِ وَمَالِكِهِ، أَقَرَّ اللهُ أَعْيُنَهُمَا بِالتَّوْفِيقِ وَإِيَّايَ؛ وَرَزَقَنَا رَاحَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرِةِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَِّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتُّمِائَةٍ. أَحْسَنَ اللهُ عَاقِبَتَهُ.
|